حوار مع الدكتور المصطفى حدية حول كتاب: الشباب، التربية و التغير الاجتماعي.



حوار مع الدكتور المصطفى حدية حول كتاب: الشباب، التربية و التغير الاجتماعي.
منشورات الرباط – نيت – 2014 (بدعم من وزارة الثقافة)
صدر الكتاب باللغة الفرنسية بعنوان:
Jeunesse, Education et changement social
حوار صدر في الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي ليوم 6 فبراير 2015

·       ما هي أهمية هذا الكتاب حول هذا الموضوع : الشباب، التربية و التغير الاجتماعي ؟
إن هذا الكتاب حول الشباب والتربية والتغير الاجتماعي صدر في وقت ملائم يتزامن مع الاهتمام الخاص بوضعية الشباب والتربية في إطار مجتمع تتسارع فيه التحولات على جميع المستويات ,تحولات انعكست بشكل مباشر وغير مباشر على دور ومكانة النسق التربوي المعتمد وما يفرزه من نتائج على مستوى التكوين والتنشئة الاجتماعية للطفل والمراهق في المجتمع المغربي الراهن. تحولات أثرت بشكل عميق على بنية الأسرة والمدرسة ومجمل مؤسسات التكوين والإعداد لأجيال المستقبل.
في إطار هذا الواقع المتحرك يطرح المؤلف تساؤلات عميقة حول وضعية الطفولة والمراهقة في الوسطين القروي والحضري مع إبراز المشاكل ذات الأبعاد النفسية والاجتماعية والتربوية التي ترتبط بشكل أو بأخر بالتكوين والإعداد البناء لأجيال المستقبل فأية هوية للشباب المغرب اليوم في ظل هذه التحولات المتسارعة ؟ ما هي الصورة التي يكونها عن ذاته وأسرته والمدرسة اليوم  وفي الجامعة وما تفرزه من مشكلات لها علاقة بالبطالة و الهدر المدرسي و الجامعي ؟ الخ..
أسئلة متنوعة تحاول رصد خصائص الهوية الشبابية ومن خلالها تحليل الواقع الاجتماعي بمختلف تعقيداته ومكوناته. معتمدا في ذلك على الدراسات الميدانية التي أنجزت في الوسطين القروي والحضري على مدى سنوات خلت إن أهمية الكتاب تكمن أكثر في أنه يحاول رصد الواقع بمقاربة نفسية اجتماعية معتمدا في ذلك تقنية التساؤل والتفكير النقدي أكثر من إعطاء إجابات جاهزة.
·       ما هي أهم المحاور التي تناولها الكتاب؟
إن الكتاب يتضمن  عدة محاور مترابطة تهم الجوانب النفسية والاجتماعية والتربوية والثقافية للشباب (الطفولة والمراهقة) في المجتمع المغربي، محاور يمكن حصرها كما هووارد في الكتاب في الفصول التالية:
-         التعقد الاجتماعي واندحار المدرسة
-         الشباب: القلق والتوثر الاجتماعي
-         الآليات الهوياتية واستراتجيات الاندماج في المجتمع الحالي 
-         التواصل: الشباب والعلاقات الوالدية في الوسط الحضري
-         الشباب المتمدرس: الاتجاهات، القواعد والقيم الاجتماعية في الوسط الحضري
-         الوسط القروي: التمدن والمثاقفة في وسط متغير
-         الطفولة القروية: النمو والشخصية القاعدية
-         الشاب القروي المتمدرس : التنشئة الاجتماعية والهوية
-         العمال، التنظيم ومشاكل الاندماج
إذن هناك محاور متعددة، تتضمن عدة قضايا وأسئلة تحاول رصد مضامين كل محور بأسلوب ومنهجية تعتمد توليد القضايا والمشاكل المرتبطة بالواقع المعقد والمتغير.
·       ما الفائدة من مثل هذه الدراسات في المجتمع المغربي الحالي؟
إن تناول عدة قضايا تتعلق أساسا بالأطفال والشباب أمر بالغ الأهمية، ولاسيما إذا ربطنا هذه المحاولة بما تمت الإشارة إليه من مختلف التحولات التي يعرفها حاليا مجتمعنا المغربي،  والتي تكمن وراء العديد من الأوضاع النفسية و لاجتماعية و التربوية التي تعيشها هذه الفئات مثل مشاكل التمدرس و الانحراف و التهميش و البطالة و صعوبة التكيف الأسري و المدرسي و لاندماج لاجتماعي ... الخ. و اذا أدخلنا في الاعتبار كون الأطفال و الشباب في أوضاعنا الراهنة يشكلون إحصائيا قاعدة واسعة جدا لهرم سكاني في مجتمع ثالثي شاب في اغلبه ،فانه يتضح جليا كم يكون من المفيد ،علميا و اجتماعيا، دراسة أوضاع هذه الشرائح السكانية ، و موقعها في البناء الاجتماعي ،و مدى إسهامها في مسيرة التنمية والتحديث . و خاصة إذا تم دلك من منظور نفسي اجتماعي منفتح، كما حاولنا الالتزام به و الوعي بحدوده و محدوديته، و قابلية معطياته للتحاور و النقاش العلميين .إن  الكتاب بهذا الوعي و الالتزام العلمي و لاجتماعي، يقدم للقارئ هموم الشباب و تطلع الشباب، و إصراره على التحدي و المجابهة و لاستمرار.
·       في ظل هذه التحولات التي تم الحديث عنها هل هناك حاجة ماسة لمشروع تنشئة اجتماعية و تربوية ؟
بالفعل، إن أي مجتمع يرغب في التطور و التقدم، يجد نفسه في حاجة ماسة إلى مشروع  تنشئة اجتماعية متناسق العناصر نسبيا، يهدف إلى اعداد الأجيال بحيث يعمل على تسهيل عملية و سيرورة الاندماج الاجتماعي المتواصل. فالحاجة إلى هذا المشروع تكتسي أهمية قصوى إن لم تكن حيوية في المرحلة الراهنة من تحول  المجتمع، نظرا لخاصية التحول الفجائي و مميزاته و تبعا كذلك لتأثير عوامل خارجية متعددة المصادر و المنابع.
·       ما هي محددات و خصائص التنشئة الاجتماعية و تكوين الهوية في الوسطين القروي و الحضري بالمغرب ؟
في إطار ما يعيشه المجتمع من تحولات انعكست أثارها على مختلف البنيات و الهياكل المجتمعية و جوابا على مضمون السؤال بشكل دقيق ندرج فيما يلي أهم الخلاصات المتوصل إليها من خلال البحوث الميدانية في كلا الوسطين القروي و الحضري.
ü     أولا : في الوسط القروي
إن المجتمع القروي، من خلال خضوعه و الحالة هذه لنوع من السيطرة و الاختراق من لدن الثقافة الحضرية، يبدو و كأنه يصطدم بقوة الأشياء مع بروز حاجة جديدة و تطلعات جديدة، لا يمكن اعتبار لاستجابة إليها، و بالنظر إلى السياق لاجتماعي السياسي القائم على ارض الواقع، بالأمر الهين و السهل، كما أنها لا يكمن أن تكون في متناول الجميع.
و الحاصل أن هذا المجتمع، و من خلال عيشه تحت تأثير توارد و سائل الاستهلاك التي يتم إشاعتها عبر سيرورة التمدين جارية على قدم و ساق، قد وجد نفسه في المواجهة مع مؤسسات غريبة عنه و مستوردة ومن جملة تلك المؤسسات المدرسة في حد ذاتها، حيث إن الآثار التي نجمت عنها تعتبر على قدر كبير من التأثير و الحسم على المستوى لاجتماعي الثقافي، خصوصا إذا علمنا بان إقامة تلك المؤسسة و إنشائها بشكل مكثف إلى حد ما، هي عملية قد تولت المسؤولية في انجازها السلطات السياسية القائمة. مع أنها علاوة على دلك، تنقل عبر سياق يقوم على ثنائية المهيمن و المهيمن عليه، أي هيمنة الحضري على القروي، عناصر القطيعة مع الوسط القروي، الذي و حسب ما يبدو قد ظل ينظر إليه من زمن طويل على أنه قاصر.
و في هذا الإطار، فالأسرة القروية، و بالرغم من انفتاحها على العالم الخارجي و بالرغم من تثاقفها من جانب المجتمع الحضري، ما تزال تتميز، بالرغم من ذلك بعقليتها (المغلقة) إزاء المجتمع الشمولي (العام) . و ذلك على الأقل على المستوى التربوي بمعنى أن وجود أي مؤسسة أخرى غير مؤسسة الأسرة، هو وجود لا يمكن أن يكتسب قيمة ما في رأي أغلبية القرويين، إلا على ضوء النفعية التي يمكن أن يحصلوا عليها من وراءه، ودلك باعتباره وسيلة يمكن أن تساهم في تحسين الوضعية الاجتماعية الفردية. أو بعبارة أخرى إن المدرسة عند القرويين ما تزال تعتبر بمثابة المرجعية التي يمكن لعناصر الحيز المحيط بهم أن تستمد منها قدرتها المنفعية وذلك بصفتها وسيلة لتحسين الوضعية الاجتماعية و المادية. وهكذا يظهر إننا ما نزال بعيدين كل البعد، وعبر هذا السياق، عن أي تكاملية و وظيفية و مؤسساتية تبادلية.
وبناء عليه، فإن موقفا من هذا القبيل إزاء المدرسة لا يمكن أن يبقى دون أي انعكاس على (تمدرس) الطفل القروي و الشباب القروي و في نفس الوقت على نوعية التنشئة الاجتماعية التي يعتبر ذلك الطفل و الشاب موضوعا لها. و الحاصل أن الأطفال و الشباب المتمدرسين في المجتمع القروي يبدون كالغارقين بالرغم منهم في عالم ينتمي إلى الراشدين، عالم الكبار المختلف عن متطلبات و تطلعات وحاجات الشباب.
فالطفل الشاب القروي يكون بناء على هذا هوية سلبية، طيعة، تقبل بالواقع في إطار مسايرة التصورات و التمثلات الوالدية مع المطالبة بتغيير الواقع المعاش، الواقع المادي. مما ينم عن تنشئة اجتماعية غير ملائمة و هوية ممزقة و منجذبة لميزات و ايجابيات الوسط الحضري من جهة و متطلعة لرفض الواقع المعاش المادي في الوسط القروي.
ü     ثانيا: الوسط الحضري
بناء على تصورنا للتنشئة الاجتماعية على أنها، من جهة، سيرورة مستمرة و متغيرة على امتداد الحياة، من حيث أنها تهدف من خلال ذلك إلى الاندماج الاجتماعي النسبي و المتوالي من لدن الفرد و باعتبارها، من جهة أخرى بمثابة وسيلة لاكتساب الشخصية من خلال استيعاب معايير و قيم و تمثلات اجتماعية الخ... من أجل تحقيق درجة من التوافق النسبي عبر سياق الحياة الشخصية و الاجتماعية للفرد داخل تلك الحياة المتغيرة باستمرار. بناءا على ذلك فإن التنشئة الاجتماعية، حسب ما يبدو تعاني من قصور ما عبر الوسيطين التنشئيين ، الأسري و المدرسي ، و ذلك من جراء عدم تمكنها من الحضور في الوقت المناسب أو في الموعد المتزامن مع التحولات العميقة التي نشأت بالمجتمع، ثم تركت في واقع الأمر، إننا أمام سيرورة تنشيئية اجتماعية غير ملائمة، سيرورة تتميز على مستوى المضمون الاجتماعي بوجود انقطاع ما عن الواقع لدى هؤلاء الشباب، و بقيام انفساخ فيما بين (المتلقى) و (المعاش). نعم انقطاع عن الواقع بقدر كبير من العمق، إلى درجة أن مضمون التنشئة الاجتماعية سيصبح، و الحالة هذه، مغلفا بإيديولوجية تتصف بالجمود كما تضفي على نفسها مسحة من المثالية و الأسطورية لما يمكن أن يعرض تلك العملية لانعكاسات خطيرة.
و تبعا لما ذكرنا، إن هذا الواقع التنشيئي الاجتماعي لا يمكنه إلا أن يدفع بالشاب المتمدرس بالوسط الحضري نحو تكوين هوية نفسية اجتماعية تتميز سماتها الأساسية بالدرجة الأولى بتموضعها في إطار من القطيعة على المستوى الفكري و المادي. إنها قطيعة تضم في عمقها نزوعا قويا نحو الاستقلالية و الفردانية لدى هؤلاء الشباب، نزوعا يكشف عن نفسه بكل جلاء من خلال الانتقادات و المؤاخذات التي يعبر عنها الشباب إزاء الراشدين و الكبار. الذي يبدو و أنه لا مجال للتفاهم معهم حسب رأي الشباب و حسب نوعية الفئات الاجتماعية و المستوى التعليمي و الثقافي للأوساط الاجتماعية الاقتصادية التنشيئية.           
·          هل اقتصر الكتاب فقط على موضوع التنشئة الاجتماعية و الهوية ؟
لقد شكل موضوع التنشئة الاجتماعية و تكوين الهوية محور الكتاب دون إغفال التطرق لقضايا البطالة كأحد النواتج المرتبطة بالمدرسة و الجامعة و الوضع الاقتصادي الاجتماعي السائد، و التي يعاني من سلبياتها الشباب في القرية كما في المدينة. بالإضافة إلى هذا تم التطرق كذلك لقضايا المرأة كالأمية في الوسط الحضري و القروي و مشكلات اندماجها اقتصاديا و اجتماعيا و السلبيات التي تعيق تحسين وضعية المرأة من الناحية القانونية و ما يرتبط بالمدونة. هذا دون أن ننسى التعرض لمشكلات العمال و المشتغلين في المنظمات و المؤسسات الإنتاجية و ما تطرحه وضعيتهم من حيث الاندماج و الرضا عن العمل في مجتمع متغير.

Share this article :

10 commentaires: