السلوك الإجرامي التفسير والتشخيص


السلوك الإجرامي التفسير والتشخيص

من المعروف عن الباحثين في العلوم الإنسانية والعلوم القانونية المتعلقة بالجريمة, أن هذه الأخيرة تدل على القيام بكل فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أوتدابيراحترازية, أي أن الجريمة تفترض ارتكاب فعل يتمثل فيه الجانب المادي لها وتعني بالفعل السلوك الإجرامي أيا كانت صورته, والأصل أن تترتب على الفعل اثار يتمثل فيها الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون. فالجريمة تفترض صدور الفعل غير المشروع عن إرادة جنائية فليست الجريمة ظاهرة مادية خالصة بل هي عمل إنسان يسأل عنها ويتحمل العقاب من أجلها , لذلك يجب أن تكون ذات أصول نفسية , كما وضح ذلك علم النفس الجنائي.

مناسبة طرح موضوع الجريمة والحديث عن تحديد دلالتها, هو ما أصبح ملاحظا بشكل ظاهر وفي أحيان كثيرة يبعث على الخوف من ارتفاع نسبة الجريمة في المغرب ,ارتفاع عدد الجرائم وتنوعها , وبعضها يكتسي طابع الجدة في المجتمع المغربي اعتبارا لخصوصياته الثقافية والدينية, كالجرائم المرتكبة في حق الأصول, كقتل الأب أو الأم أو ألإخوة, أو الاعتداء , والاغتصاب الجنسي على المحارم كما هو منشور في عدة منابر صحفية, فالجريمة انتشرت واتسع مداها الجغرافي فهي لا تنحصر في المدن الكبيرة فقط بل نجد لها صدى في البوادي والقرى بأشكال مختلفة. هذا الانتشار للجريمة جعل منها ظاهرة مختلفة . هذا الانتشار للجريمة جعل منها ظاهرة مخيفة رغم ما تبذله المصالح المعنية بحماية المواطنين من مجهودات للردع والحماية.

فحسب الإحصائيات الرسمية, ارتفعت نسبة الجريمة خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2012 ب %12 مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2011 , حيث تم تسجيل حوالي 289 ألف جريمة مقابل 196 ألف السنة الماضية ,وحسب الإحصائيات الرسمية ارتفع معدل الجريمة خلال سنة 2012 الى حوالي 19 جريمة لكل 1000 مواطن خلال العام الماضي.

فالتعاطي للفعل الإجرامي وانتشاره بهذا الشكل الملحوظ يرتبط بعدة عوامل نفسية , اجتماعية وبعضها يعزى الى الجانب البيولوجي حسب بعض المختصين. فمن الناحية النفسية عدد من المختصين يؤكدون على أن المجرمين يعانون من الحرمان العاطفي خلال الطفولة أي (أهمية الأسرة والعلاقات الوالدية),والدليل على ذلك أن المجرم قل ما يهتم به الاخر , غير مستقر في عواطفه وانفعالاته, يعانون من اختلالات نفسية تنعكس على توازنهم النفسي فهم لا يحبون ذواتهم وتطغى على شخصيتهم سمات السادية بحيث لا ينظرون للآخرين إلا بالعداوة والانتقام فالحرمان العاطفي والحب الذي حرموا منه في صغرهم يجعل منهم أناس لا يرحمون ولا يحبون ولا يعطفون .


من الناحية ألأخرى اعتبرت الجريمة والتعاطي معها نتيجة عملية تربوية وتعلم خاطئ_ المدرسة السلوكية_ مرتبط,بنماذج سيئة, كآباء غير أسوياء , في معاملتهم, ومرافقة أهل السوء , والتعرض كذلك لكل ما له علاقة بأفلام الرعب والانترنيت وما تعرضه من وقائع عدوانية,بالإضافة الى القنوات ووسائل الإعلام المتعددة وما تخلفه من أثار سلبية على الأفراد.

أما من الناحية الاجتماعية ,فتفسير الجريمة يتم من خلال الحديث في حالات كثيرة عن فشل في التنشئة الاجتماعية بسبب الظروف السيئة التي يعيشها المجتمع وبروز قيم تعطي أهمية أكثر للمال والسعي وراء الرفاه والنجاح, مما لا يمكن للأسر أن توفره تبعا لما تعانيه من فقر وبطالة تزداد حدة بالنمو الديمغرافي الكبير واتساع نسبة شريحة الشباب وما تتطلبه من حاجيات ومطالب يصعب في الوضع الحالي تلبيتها وإشباعها مما يزيد في انتشار نسبة الجريمة بكل أشكالها كما سبق نتيجة الإحباط والحرمان وما يحس به الشخص من مظالم وتظلم في حالات كثيرة.هذا دون أن نهمل التحول الكبير والعميق الذي عرفه المجتمع المغربي على المستوى العمراني والديمغرافي والاقتصادي وما يرتبط به من تربية وتعليم وصحة الخ, تحولات يطغى فيها الجانب الكبير المتعلق بكثرة الحاجيات والمطالب وصعوبات وعوائق في تلبيتها وإشباعها لتفادي الجريمة , والتقليل من نسبتها بطبيعة الحال لأن الحديث عن اجتثاتها أمر غير ممكن.

ان الوقاية من الجريمة والتقليل من انتشارها يتطلب مضاعفة الجهود تربويا وصحيا واقتصاديا وسياسيا الخ, جهود صادقة تروم بناء برامج دقيقة تلم بجميع الجوانب التي أتينا على ذكرها , النفسية والاجتماعية والاقتصادية الخ.

Share this article :

13 commentaires:

  1. حقا أستاذي العزيز كل هذه العوامل لها تأثير مباشر لتفشي ظاهرة الإجرام في المجمعات مع نوع من التباين بين ما هي أوروبية أمريكيه آسيوية وعربية أفريقية
    هناك إضافة متواضعة أمام ما ذكرته، هو أن الإعتقاد الذي يثمتل في الوازع الديني له دور متميز في ارتفاع أو انخفاض الجريمة لما له من علاقة وطيدة بين الانسجام النفسي والتوافق الإجتماعي أو ما بين التنافر المعرفي الناتج عن التباين بين أفراد المجتمع او الجماعات وكذا الأحياء والمناطق الواحدة والفوارق الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تولد الحقد الإجتماعي لما تتعرض له فئات معينة من تهميش أو فرط في السلطة على حد سواء،كل هذا يترتب عليه سلوكات غالبا ما تأخذ طابعا إجراميا
    سعيد خربوش

    RépondreSupprimer
    Réponses
    1. c'est vrai si Kharbouch,la conscience religieuse impacte le comportement criminel dans toutes ses facettes.merci

      Supprimer
  2. وفيتم و كفيتم و أحطتم بجوانب هذه الإشكالية بتركيز غير مقل .. و نعم الرأي رأيكم على أن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي ؛ إذ يجب فعلا استهداف جميع أبعاد و جوانب هذا المشكل و التي تم تحديدها على مستوى التشخيص ؛ خاصة و أنها أبعاد و جوانب لا يمكن فصلها على مستوى التدخل الناجع كونها تتداخل مع بعضها البعض .. لأننا أولا و آخرا بصدد دراسة ظاهرة اجتماعية انسانية معقدة تتفاعل فيها المتغيرات النفسية الداخلية مع المتغيرات الاجتماعية الخارجية
    و أؤكد هنا على الأخذ بأولوية القاعدة المادية المريحة للطبقات المهمشة و الهشة كمنطلق لهذا المشروع الاجتماعي و كذلك اعتماد خطة علاجية نسقية تستهدف الأبعاد الأخرى من تحسين لجودة التنشئة الاجتماعية و تصحيح مسارها وفق ما يروم صلاح المجتمع

    RépondreSupprimer
  3. أحسنتم
    وأضيف ان الوقاية من الجريمة يتطلب العمل على قاعدة المثلث الإجرامي أي
    الفكرة،قبل أن تجد الظروف الملائمة للتنفيذ.كما أن ثمة فرق بين الجريمة المنظمة وغير المنظمة،وهي التي بسطتم القول فيها.

    RépondreSupprimer
  4. Ce commentaire a été supprimé par l'auteur.

    RépondreSupprimer