د. المصطفى حدية لـ «الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي» حول كتاب: «الشباب، التربية والتغير الاجتماعي

د. المصطفى حدية لـ «الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي» حول كتاب: «الشباب، التربية والتغير الاجتماعي
خاصية التحول الفجائي تفرض علينا البحث عن مشروع تنشئة اجتماعية متناسق العناصر
حاوره: عمر اليوسفي
أصدر الدكتور المصطفى حدية كتابا جديدا بعنوان «الشباب، التربية والتغير الاجتماعي»، وهو باللغة الفرنسية. وهو الكتاب الذي يرصد التحولات التي انعكست بشكل مباشر وغير مباشر على دور ومكانة النسق التربوي المعتمد وما يفرزه من نتائج على مستوى التكوين والتنشئة الاجتماعية للطفل والمراهق في المجتمع المغربي الراهن.وفي ما يلي حوار مع الدكتور حدية حول أهم المحاور التي استعرضها في هذا الكتاب الهام:
ما هي أهمية هذا الكتاب حول هذا الموضوع: الشباب، التربية والتغير الاجتماعي؟
إن هذا الكتاب حول الشباب والتربية والتغير الاجتماعي صدر في وقت ملائم يتزامن مع الاهتمام الخاص بوضعية الشباب والتربية في إطار مجتمع تتسارع فيه التحولات على جميع المستويات، تحولات انعكست بشكل مباشر وغير مباشر على دور ومكانة النسق التربوي المعتمد وما يفرزه من نتائج على مستوى التكوين والتنشئة الاجتماعية للطفل والمراهق في المجتمع المغربي الراهن. تحولات أثرت بشكل عميق على بنية الأسرة والمدرسة ومجمل مؤسسات التكوين والإعداد لأجيال المستقبل.في إطار هذا الواقع المتحرك يطرح المؤلف تساؤلات عميقة حول وضعية الطفولة والمراهقة في الوسطين القروي والحضري مع إبراز المشاكل ذات الأبعاد النفسية والاجتماعية والتربوية التي ترتبط بشكل أو بأخر بالتكوين والإعداد البناء لأجيال المستقبل فأية هوية للشباب المغرب اليوم في ظل هذه التحولات المتسارعة؟ ما هي الصورة التي يكونها عن ذاته وأسرته والمدرسة اليوم وفي الجامعة وما تفرزه من مشكلات لها علاقة بالبطالة و الهدر المدرسي والجامعي؟ إلخ..أسئلة متنوعة تحاول رصد خصائص الهوية الشبابية ومن خلالها تحليل الواقع الاجتماعي بمختلف تعقيداته ومكوناته. معتمدا في ذلك على الدراسات الميدانية التي أنجزت في الوسطين القروي والحضري على مدى سنوات خلت إن أهمية الكتاب تكمن أكثر في أنه يحاول رصد الواقع بمقاربة نفسية اجتماعية معتمدا في ذلك تقنية التساؤل والتفكير النقدي أكثر من إعطاء إجابات جاهزة.
ما هي أهم المحاور التي تناولها الكتاب؟
إن الكتاب يتضمن عدة محاور مترابطة تهم الجوانب النفسية والاجتماعية والتربوية والثقافية للشباب (الطفولة والمراهقة) في المجتمع المغربي، محاور يمكن حصرها كما هووارد في الكتاب في الفصول التالية:- التعقد الاجتماعي واندحار المدرسة- الشباب: القلق والتوثر الاجتماعي- الآليات الهوياتية واستراتجيات الاندماج في المجتمع الحالي- التواصل: الشباب والعلاقات الوالدية في الوسط الحضري- الشباب المتمدرس: الاتجاهات، القواعد والقيم الاجتماعية في الوسط الحضري- الوسط القروي: التمدن والمثاقفة في وسط متغير- الطفولة القروية: النمو والشخصية القاعدية- الشاب القروي المتمدرس: التنشئة الاجتماعية والهوية- العمال، التنظيم ومشاكل الاندماجإذن هناك محاور متعددة، تتضمن عدة قضايا وأسئلة تحاول رصد مضامين كل محور بأسلوب ومنهجية تعتمد توليد القضايا والمشاكل المرتبطة بالواقع المعقد والمتغير.
ما الفائدة من مثل هذه الدراسات في المجتمع المغربي الحالي؟
إن تناول عدة قضايا تتعلق أساسا بالأطفال والشباب أمر بالغ الأهمية، ولاسيما إذا ربطنا هذه المحاولة بما تمت الإشارة إليه من مختلف التحولات التي يعرفها حاليا مجتمعنا المغربي، والتي تكمن وراء العديد من الأوضاع النفسية و الاجتماعية و التربوية التي تعيشها هذه الفئات مثل مشاكل التمدرس والانحراف والتهميش والبطالة وصعوبة التكيف الأسري و المدرسي و لاندماج لاجتماعي ... الخ. وإذا أدخلنا في الاعتبار كون الأطفال والشباب في أوضاعنا الراهنة يشكلون إحصائيا قاعدة واسعة جدا لهرم سكاني في مجتمع ثالثي شاب في اغلبه، فإنه يتضح جليا كم يكون من المفيد، علميا واجتماعيا، دراسة أوضاع هذه الشرائح السكانية، وموقعها في البناء الاجتماعي، ومدى إسهامها في مسيرة التنمية والتحديث. وخاصة إذا تم ذلك من منظور نفسي اجتماعي منفتح، كما حاولنا الالتزام به والوعي بحدوده ومحدوديته، وقابلية معطياته للتحاور والنقاش العلميين. إن الكتاب بهذا الوعي و الالتزام العلمي و لاجتماعي، يقدم للقارئ هموم الشباب و تطلع الشباب، و إصراره على التحدي و المجابهة و الاستمرار.
في ظل هذه التحولات التي تم الحديث عنها هل هناك حاجة ماسة لمشروع تنشئة اجتماعية وتربوية؟
بالفعل، إن أي مجتمع يرغب في التطور والتقدم، يجد نفسه في حاجة ماسة إلى مشروع تنشئة اجتماعية متناسق العناصر نسبيا، يهدف إلى اعداد الأجيال بحيث يعمل على تسهيل عملية و سيرورة الاندماج الاجتماعي المتواصل. فالحاجة إلى هذا المشروع تكتسي أهمية قصوى إن لم تكن حيوية في المرحلة الراهنة من تحول المجتمع، نظرا لخاصية التحول الفجائي و مميزاته و تبعا كذلك لتأثير عوامل خارجية متعددة المصادر والمنابع.
ما هي محددات و خصائص التنشئة الاجتماعية وتكوين الهوية في الوسطين القروي والحضري بالمغرب؟
في إطار ما يعيشه المجتمع من تحولات انعكست أثارها على مختلف البنيات و الهياكل المجتمعية وجوابا على مضمون السؤال بشكل دقيق ندرج فيما يلي أهم الخلاصات المتوصل إليها من خلال البحوث الميدانية في كلا الوسطين القروي والحضري.
أولا : في الوسط القروي
إن المجتمع القروي، من خلال خضوعه و الحالة هذه لنوع من السيطرة و الاختراق من لدن الثقافة الحضرية، يبدو و كأنه يصطدم بقوة الأشياء مع بروز حاجة جديدة وتطلعات جديدة، لا يمكن اعتبار لاستجابة إليها، وبالنظر إلى السياق الاجتماعي السياسي القائم على أرض الواقع، بالأمر الهين والسهل، كما أنها لا يكمن أن تكون في متناول الجميع.والحاصل أن هذا المجتمع، ومن خلال عيشه تحت تأثير توارد وسائل الاستهلاك التي يتم إشاعتها عبر سيرورة التمدين جارية على قدم وساق، قد وجد نفسه في المواجهة مع مؤسسات غريبة عنه ومستوردة ومن جملة تلك المؤسسات المدرسة في حد ذاتها، حيث إن الآثار التي نجمت عنها تعتبر على قدر كبير من التأثير والحسم على المستوى الاجتماعي الثقافي، خصوصا إذا علمنا بان إقامة تلك المؤسسة و إنشائها بشكل مكثف إلى حد ما، هي عملية قد تولت المسؤولية في انجازها السلطات السياسية القائمة. مع أنها علاوة على ذلك، تنقل عبر سياق يقوم على ثنائية المهيمن والمهيمن عليه، أي هيمنة الحضري على القروي، عناصر القطيعة مع الوسط القروي، الذي و حسب ما يبدو قد ظل ينظر إليه من زمن طويل على أنه قاصر.و في هذا الإطار، فالأسرة القروية، و بالرغم من انفتاحها على العالم الخارجي و بالرغم من تثاقفها من جانب المجتمع الحضري، ما تزال تتميز، بالرغم من ذلك بعقليتها (المغلقة) إزاء المجتمع الشمولي (العام). وذلك على الأقل على المستوى التربوي بمعنى أن وجود أي مؤسسة أخرى غير مؤسسة الأسرة، هو وجود لا يمكن أن يكتسب قيمة ما في رأي أغلبية القرويين، إلا على ضوء النفعية التي يمكن أن يحصلوا عليها من وراءه، ودلك باعتباره وسيلة يمكن أن تساهم في تحسين الوضعية الاجتماعية الفردية. أو بعبارة أخرى إن المدرسة عند القرويين ما تزال تعتبر بمثابة المرجعية التي يمكن لعناصر الحيز المحيط بهم أن تستمد منها قدرتها المنفعية وذلك بصفتها وسيلة لتحسين الوضعية الاجتماعية و المادية. وهكذا يظهر إننا ما نزال بعيدين كل البعد، وعبر هذا السياق، عن أي تكاملية و وظيفية ومؤسساتية تبادلية.وبناء عليه، فإن موقفا من هذا القبيل إزاء المدرسة لا يمكن أن يبقى دون أي انعكاس على (تمدرس) الطفل القروي و الشباب القروي و في نفس الوقت على نوعية التنشئة الاجتماعية التي يعتبر ذلك الطفل و الشاب موضوعا لها. و الحاصل أن الأطفال و الشباب المتمدرسين في المجتمع القروي يبدون كالغارقين بالرغم منهم في عالم ينتمي إلى الراشدين، عالم الكبار المختلف عن متطلبات وتطلعات وحاجات الشباب.فالطفل الشاب القروي يكون بناء على هذا هوية سلبية، طيعة، تقبل بالواقع في إطار مسايرة التصورات و التمثلات الوالدية مع المطالبة بتغيير الواقع المعاش، الواقع المادي. مما ينم عن تنشئة اجتماعية غير ملائمة و هوية ممزقة و منجذبة لميزات و ايجابيات الوسط الحضري من جهة و متطلعة لرفض الواقع المعاش المادي في الوسط القروي.*
ثانيا: الوسط الحضري
بناء على تصورنا للتنشئة الاجتماعية على أنها، من جهة، سيرورة مستمرة و متغيرة على امتداد الحياة، من حيث أنها تهدف من خلال ذلك إلى الاندماج الاجتماعي النسبي و المتوالي من لدن الفرد وباعتبارها، من جهة أخرى بمثابة وسيلة لاكتساب الشخصية من خلال استيعاب معايير و قيم و تمثلات اجتماعية الخ... من أجل تحقيق درجة من التوافق النسبي عبر سياق الحياة الشخصية و الاجتماعية للفرد داخل تلك الحياة المتغيرة باستمرار. بناءا على ذلك فإن التنشئة الاجتماعية، حسب ما يبدو تعاني من قصور ما عبر الوسيطين التنشئيين ، الأسري و المدرسي ، و ذلك من جراء عدم تمكنها من الحضور في الوقت المناسب أو في الموعد المتزامن مع التحولات العميقة التي نشأت بالمجتمع، ثم تركت في واقع الأمر، إننا أمام سيرورة تنشيئية اجتماعية غير ملائمة، سيرورة تتميز على مستوى المضمون الاجتماعي بوجود انقطاع ما عن الواقع لدى هؤلاء الشباب، و بقيام انفساخ فيما بين (المتلقى) و (المعاش). نعم انقطاع عن الواقع بقدر كبير من العمق، إلى درجة أن مضمون التنشئة الاجتماعية سيصبح، و الحالة هذه، مغلفا بإيديولوجية تتصف بالجمود كما تضفي على نفسها مسحة من المثالية و الأسطورية لما يمكن أن يعرض تلك العملية لانعكاسات خطيرة.وتبعا لما ذكرنا، إن هذا الواقع التنشيئي الاجتماعي لا يمكنه إلا أن يدفع بالشاب المتمدرس بالوسط الحضري نحو تكوين هوية نفسية اجتماعية تتميز سماتها الأساسية بالدرجة الأولى بتموضعها في إطار من القطيعة على المستوى الفكري و المادي. إنها قطيعة تضم في عمقها نزوعا قويا نحو الاستقلالية والفردانية لدى هؤلاء الشباب، نزوعا يكشف عن نفسه بكل جلاء من خلال الانتقادات والمؤاخذات التي يعبر عنها الشباب إزاء الراشدين والكبار. الذي يبدو و أنه لا مجال للتفاهم معهم حسب رأي الشباب وحسب نوعية الفئات الاجتماعية والمستوى التعليمي والثقافي للأوساط الاجتماعية الاقتصادية التنشيئية.
هل اقتصر الكتاب فقط على موضوع التنشئة الاجتماعية و الهوية؟
لقد شكل موضوع التنشئة الاجتماعية و تكوين الهوية محور الكتاب دون إغفال التطرق لقضايا البطالة كأحد النواتج المرتبطة بالمدرسة والجامعة والوضع الاقتصادي الاجتماعي السائد، والتي يعاني من سلبياتها الشباب في القرية كما في المدينة. بالإضافة إلى هذا تم التطرق كذلك لقضايا المرأة كالأمية في الوسط الحضري والقروي ومشكلات اندماجها اقتصاديا واجتماعيا والسلبيات التي تعيق تحسين وضعية المرأة من الناحية القانونية و ما يرتبط بالمدونة. هذا دون أن ننسى التعرض لمشكلات العمال و المشتغلين في المنظمات والمؤسسات الإنتاجية و ما تطرحه وضعيتهم من حيث الاندماج و الرضا عن العمل في مجتمع متغير.
نشر في جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ :6/2/2015

Share this article :

5 commentaires: