تعليم مهارات التفكير




تعليم مهارات التفكير

في عالم سريع التغير، تتحكم فيه تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وتتعقد فيه المشكلات في مختلف جوانب الحياة، يواجه المربون مشكلات غير مسبوقة تتعلق بكيفية إعداد أطفال اليوم لمواجهة تحديات عالم الغد، ما الذي يجب أن يتعلموه، وكيف يتعلمون حتى يكونوا قادرين على التعامل مع المستقبل؟.
زاد اهتمام المربين إلى تعليم التفكير[1] أو ما نسميه مهارات التفكير، لأن عصر التغيرات المتسارعة يفرض على المربين التعامل مع التربية والتعليم كعملية لا يحدها زمان أو مكان وتستمر مع الإنسان كحاجة وضرورة لتسهيل تكيفه مع المستجدات في بيئته، من هنا تكتسب الأسئلة حول كيف يفكر الطالب وكيف يتعلم أهمية خاصة لأن لها مدلولات مستقبلية في غاية الأهمية. 
إن التكيف مع المستجدات يستدعي تعلم مهارات جديدة واستخدام المعرفة في مواقف جديدة، والحاجة إلى التفكير في البحث عن مصادر المعلومة واختيار اللازم والأنسب منها للموقف واستخدام هذه المعلومات في معالجة المشكلات على أفضل وجه ممكن.
إن تعليم التفكير (أو مهارات التفكير) يكتسي اليوم أهمية بالغة نظرا لهيمنة إكراهات عصر  المعلومات والحضور الفعال لمجتمعات المعرفة وما تفرزه من فروق بين الأفراد والمجتمعات، وإن البرهان اليوم أصبح معقودا على نوعية الشخصية التي يعدها المجتمع من خلال مؤسساته التنشيئية كالأسرة والمدرسة على وجه الخصوص، وما تزود الشخص من مهارات لمواجهة تحديات عصر المعرفة والمعلومات، مهارات التفكير الجيد، على أن يصبح قادرا من جهة أخرى على المساهمة في بناء نهضة مجتمعه. فما هو التفكير؟ وما ذا نعني بتعليم التفكير؟ وكيف يمكن للمدرسة من خلال منهاجها أن تساهم في تعليم مهارات التفكير؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول معالجتها في الصفحات التالية.
تعريف التفكير:
يعرف التفكير بأنه «التقصي المدروس للخبرة من أجل غرض ما، وقد يكون ذلك الغرض هو الفهم أو اتخاذ القرار أو التخطيط، أوحل المشكلات أو الحكم على الأشياء، أو القيام بعمل ما»[2]. أو هو ببساطة عبارة عن سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ، عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمسة، ونبدأ التفكير عادة عندما لا نعرف ما الذي يجب عمله بالتحديد، والتفكير مفهوم مجرد، لأن النشاطات التي يقوم بها الدماغ أثناء التفكير نشاطات غير مرئية وغير ملموسة، وما نلمسه ونشاهده في الواقع ليس إلا نواتج فعل التفكير سواء أكانت بصورة مكتوبة أو منطوقة أم حركية.  
هناك حاجة للتفريق بين مفهومي «التفكير» و «مهارات التفكير». إن مهارات التفكير عمليات محددة نمارسها ونستخدمها عن قصد في معالجة المعلومات مثلا: الملاحظة، المقارنة، تحديد المشكلة، مهارات جمع المعلومات، مهارات الاستدلال، مهارات التفكير الناقد، الخ. هذا مع ملاحظة أن «التفكير» أكبر بكثير من حاصل جمع أو دمج مجموعة من المهارات الفردية. 
أهمية تعليم مهارات التفكير[3]:
أصبح عالم اليوم أكثر تعقيدا نتيجة التحديات التي تفرضها «تكنولوجيا المعلومات والاتصالات» في شتى مناحي حياة الإنسان، النجاح في مواجهة هذه التحديات لا يعتمد على الكم المعرفي بقدر ما يعتمد على كيفية استخدام المعرفة وتحصيلها وتطبيقها، يضاف إلى ذلك أن المعارف والمهارات التي يكتسبها الفرد خلال التحاقه بالمدرسة والجامعة لم تعد كافية لضمان مستقبل مهني زاهر. فالتفكير الفعال (الحاذق) لا ينمو تلقائيا، وليس نتاجا عرضيا للخبرة ولا نتاجا أوتوماتيكيا لدراسة موضوع دراسة معينة، وإنما يتطلب التفكير الفعال تعليما منظما هادفا ومرانا مستمرا حتى يبلغ أقصى مدى له، الكفاءة في التفكير (بخلاف الاعتقاد الشائع) ليست مجرد قدرة طبيعية ترافق النمو الطبيعي للطفل بالضرورة. كما أن المعرفة بمحتوى المادة الدراسية أو الموضوع الدراسي ليست في حد ذاتها بديلا عن المعرفة بعمليات التفكير والكفاءة في التفكير، ولا شك أن المعرفة في مجال ما تشكل قاعدة أساسية للتفكير في هذا المجال ولكن المعرفة وحدها لا تكفي ولا بد أن تقترن بمعرفة  لعمليات التفكير. فتعليم مهارات التفكير والتعليم من أجل التفكير يرفعان من درجة الإثارة والجذب للخبرات الصفية، وبالتالي ينعكس ذلك على التحصيل وعلى بناء الشخصية. إن التعليم الواضح المباشر لممارسات التفكير اللازمة لفهم موضوع دراسي، يمكن أن يحسن مستوى تحصيل الطالب في هذا الموضوع، وتشير الدراسات إلى أن تعليم المحتوى الدراسي مقرونا بتعليم مهارات التفكير يترتب عليه تحصيل أعلى. فالتفكير قوة متجددة لبقاء الفرد والمجتمع معا في عالم اليوم والغد، ويشير أحد الباحثين إلى أن المعارف مهمة بالطبع ولكنها غالبا ما تصبح قديمة، أما مهارات التفكير فتبقى جديدة أبدا، وهي تمكننا من اكتساب المعرفة بغض النظر عن المكان والزمان أو أنواع المعرفة التي تستخدم مهارات التفكير في التعامل معها. وبناء عليه، فتعليم مهارات التفكير هو بمثابة تزويد الفرد بالأدوات التي يحتاجها حتى يتمكن من التعامل بفاعلية مع أي نوع من المعلومات أو المتغيرات التي يأتي بها المستقبل. فالتفكير ضرورة حيوية كالأبحاث واكتشاف نواميس الحياة إنه يساعد الفرد على اتخاذ قراراته بنفسه.
تعليم التفكير بين القول والممارسة:
يتفق معظم الباحثين على أن التعليم من أجل التفكير أو تعليم مهارات التفكير هدف مهم للتربية، وأن المدارس يجب أن تفعل ما في وسعها من أجل توفير فرص التفكير لطلبتها، وأن على المدرسين أن يضعوا في مقدمة أولوياتهم هدف تطوير قدرة كل طالب على التفكير كي يصبح قادرا على التعامل بفاعلية مع مشكلات الحياة المعقدة حاضرا ومستقبلا. ولكن الفرق شاسع بين ما ينبغي أن يكون وما نحققه فعلا، وتشير البيانات أننا نخرج أعدادا هائلة من الطلبة التي تتجلى خبراتهم بشكل ملحوظ في عدم القدرة على استخدام تلك المعلومات في التوصل على اختيارات أو بدائل أو التعامل مع المشكلات الجديدة، وفي واقع الأمر يعتبر ذلك في جانب كبير منه نتاج نظام تربوي لا يوفر خبرات كافية في التفكير، فهناك نماذج من السلوكيات السائدة في معظم مدارسنا يحرص بعض المعلمين على تداولها جيلا بعد آخر.  
يعتمد المدرس على عدد محدود من الطلبة يوجه إليهم أسئلته ويدعوهم دائما لإنقاذ الموقف والإجابة على السؤال الصعب.
- لا يعطي المعلم للطلبة وقتا كافيا للتفكير قبل مناداة أحدهم للإجابة عن السؤال. 
- لا يتقبل المعلم الأفكار الغريبة ولا يدعو إليها ولا يشجع الحلول المتعددة أو الإجابات المتعددة للمسألة أو الموقف.
- معظم أسئلة المعلم من النوع الذي يتطلب مهارات تفكيرية أولية، ثم يقوم هو بالشرح وإعطاء المعلومات (البراهين).
- نادرا ما يسأل المدرس أسئلة تبدأ ب: كيف؟ لماذا؟ ماذا لو؟ ... الخ
مدى إمكانية تعليم مهارات التفكير:
هناك اتفاق عام بين الباحثين على أن تعليم مهارات التفكير وتهيئة الفرص لاكتسابه أمران في غاية الأهمية، وأن تعليم التفكير ينبغي أن يكون هدفا رئيسيا لمؤسسات التربية والتعليم. وقد لاحظ المعلمون بعد محاولة متأنية لتعليم التفكير مباشرة، أن التفكير مهارة يمكن ممارستها ببراعة وهي قابلة للتعلم من خلال ما يأتي:
- مزيد من الإصغاء للآخرين وقليل من الحديث مع أفراد من جانب آخر. 
- تمركز أقل حول الذات.
- استخدام التفكير للاستكشاف بدلا من استخدامه لتدعيم وجهة نظر معينة والدفاع عنها.
- استخدام أشكال من التفكير غير التي تتسم بالنقد المحض.
- معرفة ما ينبغي عمله بدلا من انتظار تلقي فكرة من الأفكار.
- مزيدا من الرغبة في التفكير في الموضوعات الجديدة بدلا من رفضها أو نبذها على اعتبار أنها سخيفة أو غير ذات صلة بالموضوع.
- بالإضافة إلى الاتصاف بمزيد من الثقة. 
فمهارات التفكير يمكن أن تتحسن بالتدريب، وليس هناك سند قوي للافتراض بأنها سوف تنطلق بصورة آلية على أساس النضج. ويضيف الباحثون أن إهمال تعليم التفكير يعود إلى الاعتماد على افتراضين غير مستندين على قاعدة علمية سليمة. الأول ينصب على أن هذه المهارات لا يمكن تعليمها، الثاني هو القول بعدم وجود حاجة لتعليم مهارات التفكير على أساس أنها تنمو تلقائيا وهذا خطأ. وهناك العديد من الأبحاث أتبثت بطلان ذلك.  ولتعليم التفكير عدة مداخل نذكر منها:
- طريقة التعليم الإبداعي وتقوم على مناقشة الموضوع المراد تعلمه مع الطلاب، فيشمل طرح الأسئلة عليهم، إعداد الواجبات لهم، وتركز هذه الطريقة على تناول الفكرة العلمية بالدراسة والتحليل، وتصنيف سائر المعلومات التي تتصل بها. والإبداع يعني هنا التوليد، أي توليد المعاني الجديدة مما هو مطروح للنقاش والحوار.
- الطريقة المنطقية، طريقة فاشلة لأنها تقتصر على تعليم قواعد المنطق تعليما تقليديا بعيدا عن المشكلات الإنسانية الطارئة، كما تهمل عوامل الحس والملاحظة والفهم. 
- طريقة التفكير الناقد: وهي مهارة من مهارات التفكير يؤكد عليها الباحثون لدورها الفعال في بناء الشخصيات المفكرة، إلا أنها وحدها غير كافية.
- طريقة المناقشة والحوار وهي تفتح باب المشاركة الفاعلة وحدها على مصراعيه أمام المتعلمين في دراسة المادة العلمية وتحليلها وفهمها. والبعض يؤكد على فشل هذه الطريقة لأنها لا تنجح في تثبيت مهارات التفكير وتقتصر على محاكاة المعلم.
برامج تعليم التفكير:
هناك عدد كبير من البرامج التربوية[4] التي طورها باحثون متخصصون بهدف تعليم مهارات التفكير، وقد تم تطبيق هذه البرامج في العديد من المؤسسات مثل: برنامج فيورشتين ويتكون من أربعمائة تدريب معرفي، تعطى بمعدل ثلاث أو أربع مرات أسبوعيا على مدى عامين إلى ثلاثة أعوام.  
- بنية برامج العقل: تأسست هذه البرامج على نموذج جيلفورد لبنية العقل وتختص بتنمية سبع وعشرون عاملا للمصفوفة العاملية لجيلفورد.
  - مشروع الذكاء: اهتم بجعل التفكير أحد المفردات الدراسية في بعض المراحل الدراسية، ويتضمن هذا المشروع مائة جلسة يستغرق كل منها خمس وأربعون دقيقة تغطي ستة جوانب للتفكير: أسس التفكير المنطقي، فهم اللغة، المنطق اللغوي، حل المشكلات، اتخاذ القرار، التفكير الإبتكاري.
- برنامج حل المشكل الثنائي.
- برنامج الفلسفة من أجل الأطفال.
- برنامج التفكير المنتج.
- برنامج فكر حول «Think About».
ويوجد العديد من النماذج والاسترتيجيات التدريسية –المعروفة- التي تهدف إلى تنمية التفكير بشكل ضمني، داخل إطار محتوى المادة الدراسية منها:
- استراتيجية حل المشكلات. 
- الطريقة الكشفية لبرونر.
- طريقة دائرة التعلم ليباجية.
- الـــخ ....
برامج كثيرة[5] ومتعددة انصبت على تنمية التفكير وتعليم مهارات لدى الناشئة وذلك اعتبارا لكون التفكير ومهاراته يعتبر مفتاح ونواة العصر الحديث، وأساس نهضة المجتمع، ويدل التعدد والاختلاف في البرامج والاستراتيجيات على تعقيد موضوع التفكير وعلى شساعة أبعاده وتنوعها لدرجة أن محاولة حصرها في برنامج واحد تعتبر نظرة ضيقة إن لم نقل قاصرة عن الإلمام بالموضوع في مختلف أبعاده، وبناء عليه، فكل البرامج تتكامل فيما بينها دون أن تزعم أنها قد أحاطت بمفهوم التفكير في مختلف أبعاده. 
معوقات تعليم مهارات التفكير:
من المعوقات الملاحظة في سبيل تعليم مهارات التفكير نشير إلى[6]:
- وجود مناهج وكتب تركز على حشو عقول الطلبة عن طريق الحفظ بالمعلومات الجاهزة، مما ينعكس سلبا على تعليم إيجابي لمهارات التفكير، ويتجلى ذلك في الواجبات المدرسية والاختبارات التي تركز على الذاكرة دون الاهتمام بمستويات التفكير العليا.
- الفلسفة العامة للمدرسة ما تزال قاصرة حيث تركز على نقل وتوصيل وشرح المعلومات بدل التركيز على توليدها أو استعمالها.
- عدم وجود مدرسين مؤهلين لأجل تعليم مهارات التفكير وكيفية توجيه تدريسي لتنميتها في مختلف المواد الدراسية.
- الاعتقاد الخاطئ نحو تعليم مهارات التفكير.
وتعليم مهارات التفكير قد يتم حسب عدة أساليب يمكن حصرها في إما عن طريق تعليم للمهارات يكون على شكل مهارات مستقلة عن محتوى المواد الدراسية، وإما عن طريق تعليم تمثل المهارات فيه جزءا من الدروس الصفية المعتادة حيث يصمم المدرس الدرس وفق المنهاج المعتاد ويضمنه المهارات التي يريدها والتي تتناسب ومحتوى الدرس. ويتوقف نجاح التعليم الجيد لمهارات التفكير على عدة عوامل منها: الأسلوب التدريسي للمدرس، والبيئة التدريسية والصفية، ومدى ملائمة النشاطات التعليمية لمهارات التفكير، وأخيرا، استراتيجية تعليم مهارات التفكير.   
مهارات التفكير:
أولا: مهارات جمع المعلومات وتنظيمها:
1- الملاحظة 2- المقارنة 3- التصنيف والترتيب 4- تنظيم المعلومات.
1- الملاحظـة:
يقصد بالملاحظة، استخدام واحدة أو أكثر من الحواس الخمسة للحصول على معلومات عن الشيء أو الظاهرة التي تقع عليها الملاحظة. وهي عملية تفكير تتضمن المشاهدة والمراقبة والإدراك، وتقترن عادة بوجود هدف أو سبب قوي يستدعي تركيز الانتباه ودقة الملاحظة.  
إن الملاحظة الواعية المبنية على الاستخدام الفعال للحواس، هي مفتاح المعرفة، فهل نعلم الطلبة الإفادة من عيونهم وآذانهم؟ وهل توفر لهم مدارسهم فرصا لاستخدام حواسهم؟ إن المدرس يمكنه أن يفيد الكثير من النشاطات المختلفة لشحد حواس طلبته وتفعيلها في عملية التعلم. ومن السهل أن يجد في المقررات المدرسية وفي الحياة اليومية العديد من المظاهر التي تدعو للملاحظة. فالملاحظة تستخدم كطريقة لاكتشاف المعلومات. إن قيام الفرد بتدوين ملاحظات عن مشاهداته ثم تلخيصها في نشاطات تشكل في مجموعها نموذجا عاما يجمع المقارنة والتلخيص مع الملاحظة، وهي عمليات تفكيرية تبدو مترابطة بصورة طبيعية. فالملاحظة وتقريرها وسيلتان أساسيتان للتعلم، ذلك أن الإدراك مصدر أولي من مصادر المعرفة والتقرير هو كشف حساب بملاحظاتنا وخبراتنا الحسية، وهناك إمكانية للخطأ في الملاحظة نفسها أو في تقريرها أو في الاثنين معا، وغالبا ما يؤدي عدم دقة الملاحظة إلى سوء التفسير أو خطأ الاستنتاج. إن المفكر الجيد ملاحظ جيد، يتميز بإثارة التساؤلات حول خصائص الأشياء التي يلاحظها ويحاول تفسيرها والبحث عن أسبابها بصورة طبيعية.   
2-  المقارنـة:
المقارنة هي إحدى مهارات التفكير الأساسية لتنظيم المعلومات وتطوير المعرفة، وتتطلب عملية المقارنة التعرف على أوجه الشبه والاختلاف بين شيئين أو أكثر عن طريق فحص العلاقة بينهما والبحث عن نقاط الاتفاق والاختلاف، والوقوف على ما هو موجود في أحدها ومفقود في الآخر، وتوفر المقارنة فرصة للطلبة كي يقفوا على كيفية تفكيرهم أي هل يفكرون بمرونة ودقة في شيئين أو أكثر في آن واحد. كما أنها تضيف عنصر التشويق والإثارة للموقف التعليمي عندما يخطط لها لتحقيق هدف تعليمي واضح في إطار السياق الطبيعي للدرس. 
التصنيف والترتيب:
إن تعلم مهارة التصنيف عبارة عن تعلم فرز الخصائص المشتركة بين جميع مفردات فئة أو نوع معين وغير المتوافرة في فئة أو نوع آخر من الأشياء، وإيجاد نظام أو طريقة لفصل المفردات وإلحاقها بفئات لكل منها خصائص تميزها عن الفئات الأخرى، وعندما نصنف الأشياء ونبوبها فإننا نضعها في مجموعات وفق نظام معين في أذهاننا. فإذا طلب منا تصنيف مجموعة من الأرقام، فإننا نبدأ بفهمها أولا وعندما نرى أشياء معينة تجمعها خصائص مشتركة نقوم بفصلها ووضعها معا (الأعداد الزوجية معا، الأعداد الفردية، الأولية، الأعداد التي تقبل القسمة على 3 الخ).    
أما الترتيب فهو مهارة تفكير أساسية من مهارات المعلومات وتنظيمها، ويعني الترتيب هنا، وضع المفاهيم أو الأشياء أو الأحداث التي ترتبط في ما بينها بصورة أو بأخرى في سياق متتابع وفقا لمعيار معين، قد يكون الترتيب وفقا للحجم أو الكم، التسلسل الزمني أو أقدمية الحدوث، العمر أو الطول أو الوزن، التكلفة أو القيمة المادية الخ... فإتقان مهارة الترتيب يتوقف بدرجة كبيرة على استمرار المران والتدريب. 
تنظيم المعلومات:[7]
إن مساعدة الطلبة على تنمية مهاراتهم في البحث عن المعلومات وتجميعها ومن ثم تنظيمها تبدو أكثر أهمية لطلبة اليوم إذا أريد لهم أن يتكيفوا مع تحديات عالم الغد، إن تنمية العقل البحاث لدى الطفل أكثر أهمية من تلقينه فيضا من المعلومات ومن الطبيعي أن يواجه الطلبة مشكلة –ليست سهلة- في تنظيم المعلومات وفي كيفية عرضها بعد جمعها، وكما كان هناك أكثر من طريقة لتنظيم المعلومات وإخراجها فلا بد أن يتعرض الطلبة لخبرة الممارسة العملية حتى يمكن تطوير مهارتهم في المواقف المختلفة. 
ثانيا: مهارات معالجة المعلومات وتحليلها:
مهارة التطبيق: يقصد بمهارة التطبيق استخدام المفاهيم والقوانين والحقائق والنظريات التي سبق أن تعلمها الطالب لحل مشكلة تعرض له في موقف جديد، ويعد التطبيق هدفا تربويا مهما، لأنه يرقى بالمتعلم إلى مستوى توظيف المعلومة أو الطريقة في التعامل مع مواقف أو مشكلات جديدة. إن الهدف العام من النشاطات التعليمية التي تستدعي التطبيق هو فحص قدرة الطالب على استخدام الحقائق أو المعلومات التي تعلمها في مواقف جديدة، ولا شك أن التعلم الذي ينصب فقط على اكتساب المعرفة وتذكرها ولا يرقى بالطالب إلى مستوى الإفادة من هذه المعرفة في مواقف جديدة هو تعليم عديم الجدوى في حياتنا العملية.
مهارة التفسير: هو عملية عقلية، ونحن عندما نقدم تفسيرا لخبرة ما أو لموضوع ما، إنما نقوم بشرح المعنى، وعندما نسأل عن كيفية توصلنا لمعنى معين فإننا نقوم بإعطاء تفصيلات تدعم تفسيرها. 
مهارة التلخيص: عملية تفكيرية تتضمن القدرة على إيجاد الموضوع واستخراج الأفكار الرئيسية منه والتعبير عنها بإيجاز ووضوح، فعلى المدرس ألا يقوم بالتلخيص للطالب، بل عليه أن يشجعه على ذلك ويدربه عليه. فهناك فرق بين التلخيص كعملية والملخص كناتج، فالتلخيص يتطلب التحليل بينما الملخص يمكن اعتباره تفسيرا وتركيبا، إن مهارة التلخيص تكتسب من خلال تدريبات متواصلة على تجديد الموضوع واستخراج لبه من بين التفصيلات والشروحات المطلوبة. ولأن الاستيعاب والتفسير مهارتان تدخلان في صميم عملية التلخيص، فإنه يجب التعامل بهذه المهارات معا لارتباط كل عملية بالأخرى. 
ثالثا: التعرف على العلاقات والأنماط :
أ- العلاقات السببية والإرتباطية  :[8]
تعد مهارة التعرف على العلاقات السببية والإرتباطية من أهم مهارات التفكير لأنها تساعد على التوصل إلى استنتاجات جديدة، ويظهر ذلك واضحا في حلول جميع مسائل الرياضيات.
ب- علاقـات التناظـر:
التناظر عبارة عن علاقة تشابه جزئي بين زوجين من المفاهيم أو الأشياء.
ج- علاقات الأشكال وأنماطها:
التعرف على علاقات الأشكال وأنماطها من أبرز مهارات التفكير لأنها تنطوي على نوع من الاستدلال العقلي لاكتشاف أوجه الشبه والاختلاف أو النسق العام بين مجموعة من الأشكال الهندسية أو الرسومات أو بين مجموعات من هذه الأشكال والرسومات، وتعتمد فاعلية الاستدلال العقلي في اكتشاف نمط العلاقة على مجموعة مهارات تفكيرية أساسية من بينها مهارات التحليل والمقارنة والتصنيف والملاحظة، ولكن الحاجة تبقى دائما للتدريب على اكتشاف العلاقات بين الأشكال بصورة مباشرة حتى مع إجادة المهارات الأخرى المرتبطة بها.  
رابعا: مهارات توليد المعلومات
الطلاقة –المرونة –وضع الفرضيات –التنبؤ في ضوء المعطيات.
الطلاقة: وتعني القدرة على توليد عدد كبير من البدائل أو الأفكار أو الاستعمالات عند الاستجابة لمثير معين، والسرعة والسهولة في توليدها، وهي في جوهرها عملية تذكر واستدعاء اختيارية كمعلومات أو خبرات أو مفاهيم سبق تعلمها. وهناك الطلاقة اللفظية، طلاقة المعاني أو الطلاقة الفكرية، طلاقة الأشكال ... الخ.    
المرونة: هي القدرة على توليد أفكار متنوعة أو حلول جديدة ليست من نوع الأفكار والحلول الروتينية، وتوجيه مسار التفكير أو تحويله استجابة لتغيير المثير أو متطلبات الموقف، وهي عكس الجمود الذهني الذي يعني تبني أنماط ذهنية محددة سلفا وغير قابلة للتغيير بسهولة حسبما تستدعي الحاجة أو تطورات المشكلة. وقد تناول دوبونو De Bono موضوع المرونة من زاوية أهميتها في عالم سريع التغير يستدعي الاحتراس وأخذ الحيطة من حتمية التغير عند وضع الخطط بناء على المعطيات الراهنة، ويتطلب من المخطط أن يضع نصب عينيه تحقيق أهداف معينة في ضوء معطيات قائمة ومرئية، وفي الوقت نفسه يكون جاهزا لإجراء التعديلات المتناسبة في ضوء المستجدات. وقد تناول جيلفورد Guilford أشكال المرونة نذكر منها:
أ‌-      المرونة التكيفية (القدرة على التكيف مع تغير الظروف).
ب- التحرر من الجمود، بمعنى تحويل اتجاه التفكير.
 ج- إعادة تفسير المعلومات، بمعنى مراجعة المعطيات أو بنود المعلومات.
د -المرونة التلقائية وتعني العفوية في تغيير الحالة الذهنية للفرد للقيام بعمل شيء بطريقة مختلفة.
إن المرونة مهارة تفكيرية ترتبط بعمليات التفكير فوق المعرفية métacognitive وهي من المكونات الرئيسية للإبداع، وأبرز مهارات التفكير المتشعب أو المنتج، ولا غنى عن مرونة التفكير في التكيف مع المستجدات والمعلومات الجديدة التي يواجهها المدرس والطلاب في المدرسة وخارجها. ولا غنى عن هذه المهارة في حياتنا العملية التي تتزايد مشكلاتها تعقيدا يوما بعد يوم في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما أنها ضرورية في حل المشكلات بصورة فعالة، وفي إجادة الاتصال مع الآخرين والتفاوض وحل النزاعات والتوصل إلى حلول إبداعية للمشكلات. ولتنمية مهارة المرونة في التفكير لا بد من إعطاء تدريبات من واقع المنهاج الدراسي للموضوعات المختلفة، كلما كان ذلك ممكنا.
وضع الفرضيات وإيجاد الافتراضات:
إن وضع الفرضيات وسيلة لتفسير ظاهرة أو مشكلة أو توجيه بحث تجريبي أو استدلال منطقي، وقد تكون الفرضية بمثابة مقترح مقبول بدرجة احتمالية عالية لتوافر حقائق تابثة تدعمه. أما الافتراض فهو عبارة عن فكرة أو معلومة مسلم بصحتها حتى يمكن استخدامها في حل مشكلة ما أو البرهنة على صحة قضية ما. إن مهارة وضع الفرضيات وطرح الافتراضات شيء مطلوب لدى الطلاب والمفروض التأكيد عليها في مختلف المواد ذات البعد المنهجي وبالأخص فيما يتعلق بحل المشكلات.[9] 


التنبؤ في ضوء المعطيات:
يقصد بمهارة التنبؤ في ضوء المعطيات المقدرة على قراءة البيانات أو لمعلومات المتوافرة والاستدلال من خلالها على ما هو أبعد من ذلك في أحد الأبعاد الآتية: الزمان، الموضوع، العينة والمجتمع. إن مهارة التنبؤ في ضوء المعطيات واستشراق الاتجاهات المستقبلية لظاهرة ما من واقع المعلومات المتوافرة تعد من أكثر مهارات التفكير التي يحتاجها الطالب والمدرس والباحث الاجتماعي والاقتصادي ورجل السياسة والمستثمر والمخطط والراصد الجوي والمصمم والطبيب والمزارع وغيرهم.
خامسا: مهارات تقييم المعلومات:
النقـد: النقد عملية تفكير تتضمن القيام بفحص دقيق لموضوع ما بهدف تحديد مواطن القوة والضعف فيه من خلال تحليل الموضوع وتقييمه استنادا إلى معايير تتخذ أساسا للنقد أو إصدار الأحكام. ومن المفيد أن يطلب من الطلاب عند إصدارهم لأحكام أن يعطوا الدليل المؤيد لما قاموا به –أو البحث عن المعايير التي اتخذوها أساسا للحكم. 
التعرف على الأخطاء والمغالطات:
أ- الخلط بين الرأي والحقيقة: إن المتعلم بحاجة إلى تدريب وممارسة حتى يكتسب المهارة اللازمة لتمكينه من التعرف على الأقوال أو المتغيرات التي تعد حقائق ثابتة وتلك التي تعبر عن وجهات نظر أو آراء قائلها أو ناقلها. مثل: مادة الجبر أصعب من الهندسة (هذا رأي)، احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة وسناء والجولان عام 1967 (حقيقة).     
ب- التناقض أو عدم الاتساق: التناقض في أي مادة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية يعني ببساطة وجود تعارض أو عدم اتساق بين شيئين أو فكرتين لا يمكن أن تكونا صحيحتين في نفس الوقت.
ج- صلة المعلومات بالمشكلة: إن مهارة التعرف على المعلومات ذات الصلة بالمشكلة وحلها وتحديد المعلومات غير المرتبطة بحل المشكلة من المهارات المهمة للتفكير التقييمي الذي يعتبر من المكونات الأساسية للتفكير الناقد. 
د- المغالطة في الاستدلال المنطقي والاستنتاج: الاستدلال المنطقي عملية تتضمن التوصل إلى استنتاجات بالاستناد إلى دليل ما، وكثيرا ما يتسرع الناس في الوصول إلى استنتاجات لا تبررها الأدلة المتوافرة لديهم.
سادسا: مهـارات الاستـدلال
مفهوم الاستدلال: الاستدلال لغة معناه تقديم دليل لإثبات أمر معين أو قضية معينة وأما اصطلاحا فهو عملية تفكيرية تتضمن وضع الحقائق أو المصلوحات بطريقة منظمة بحيث تؤدي إلى استنتاج أو قرار أو حل لمشكلة.
ويعرف الاستدلال بأنه:
·      الدليل أو الحجة إذ السبب الداعم لرأي أو قرار أو اعتقاد.
·      العملية العقلية التي يتم بموجبها التوصل إلى قرار أو استنتاج.
·      أحد مكونات السلوك الذكي أو القدرة على حل المشكلات.
·      توليد معرفة جديدة باستخدام قواعد واستراتيجيات معينة في التنظيم المنطقي لمعلومات متوافرة.
ويعرف باير «1937 Beyer» الاستدلال بأنه مهارة تفكيرية تقوم بدور المسهل لتنفيذ أو محاربة عمليات معالجة المعلومات التي تفهم التفسير والتحليل والتركيب والتقويم.
ويصنف الاستدلال إلى ثلاث مهارات فرعية هي:
أ- الاستدلال الاستنباطي.
ب- الاستدلال الاستقرائي.
ج- الاستدلال التمثيلي.
الاستدلال الاستنباطي: ويعني الاستدلال من العام إلى الخاص.
الاستدلال الاستقرائي: ويعني الاستدلال من الخاص إلى العام.
الاستدلال التمثيلي: وهو استدلال من الخاص إلى الخاص، ويتم عن طريق إجراء مماثلة بين شيئين أو حالتين بينهما أوجه شبه ويترتب على عملية المماثلة الوصول إلى نتيجة مفادها نقل حكم أو وصف من أحد المتماثلين إلى الآخر.
إن مهارات التفكير لا يمكن اكتسابها إلا بالتدريب والممارسة المتواصلة[10] من خلال تعليم التفكير المستهدف في مختلف المواد المتضمنة في المنهاج الدراسي عبر مختلف المراحل التعليمية المختلفة، حتى نحصل على جيل يغلب التفكير أكثر مما يغلب الترديد والنقل. 


[1] - PIAGET. J : La psychologie de l'intelligence- Paris. A. Colin, 1967.
[2] - مجدي عبد الكريم حبيـب: اتجاهات حديثة في تعليم التفكير القاهرة، دار الفكر العربي 2003.
[3] - محي الدين توق وعبد الرحمان عدس: أساسيات علم النفس التربوي، عمان: مركز الكتب الاردني 1990.
[4] - مجدي عبد الكريم حبيب، تعليم التفكير، مرجع سابق.
[5] - المرجع السابـــق.
[6] - الدكتور عبد المجيد النشواتي: علم النفس التربوي، عمان، دار الفرقان 1985.
[7] - NATALIS E. Carrefours psycho-pédagogiques, Bruxelles, Charles Dessart, Editeur, 1970.
[8] - د.عبد الرحمان عيسوي: علم النفس التعليمي، بيروت: دار الراتب الجامعية، 2000.
[9] - د. فاخر عاقل: علم النفس التربوي، بيروت: دار العلم للملايين، 1971 (طبعة جديدة مزيدة).
[10] - Kagan. J. Comprendre l'enfant, Bruxelles : Dessart et Mardaga, 1971.

Share this article :

8 commentaires: