التربية على الغش والغش في الامتحانات


التربية على الغش و الغش في الا متحانات

إن التحولات التي يعيشها المجتمع في مختلف المجاﻻت المجتمعية تؤشر على أن قيم الصدق و العمل الجاد و المحاولة الدؤوبة و بذل الجهد من أجل تحقيق هدف معين و النجاح في امتحان مدرسي أو إشهادي ، كلها قيم ضعفت و تقلص مفعولها في نفوس شباب اليوم وبالأخص المتعلم منه.نقول ليس كل الشباب و لكن مع الأسف لدى شريحة كبيرة منهم . إلى فترة حديثة كان الاستعداد للامتحان يأخذ فترة طويلة،يبذل فيها التلميذ و الطالب في الجامعة مجهودا كبيرا ،يقضي فيه و من خلاله الليالي و الأيام حتى يتمثل و يهضم المقررات و المحاضرات و يدخل للامتحان و هو معتمد على ذاته و فكره وذاكرته . أما اليوم فالحديث عن شباب من هذا النوع المكافح و المستميت في تحضيره للا متحانات اصبح أمام أعين عدد من التلاميذ و الطﻻب تخلفا و مضيعة للوقت و يدخل في مجال الاستغفال. مناسبة هذا الحديث ،هو ما أصبح يعيشه المجتمع في كل سنة من أواخر شهر يونيو و بداية شهر يوليوز من متاعب مع التحضير ﻻجتياز شهادة الباكالوريا.ففي هذه الفترة من كل سنة تزداد شدة الحرارة الطبيعية و تصاحبها بنفس الشدة و أكثر حرارة الصراع و العنف و الاعتداءات المختلفة على كل من يقف في وجه تلميذ أو طالب يتعمد الغش و المكر في الامتحان، فتتجند قوات الأمن و الأساتذة من مختلف المستويات للمراقبة و الحراسة لم تعد تنفع مع موجات و عواصف الغش و الخداع بمختلف الأسلحة و الأدوات الالكترونية ،أين هي كرامة الشخص و أين هو حب الذات السوي الذي كان صفة مميزة لتلميذ الأمس الذي كان إن قلت له أنت "نقال" أو "غشاش" فكأنك طعنته في كرامته و في نجاحه ،أصبحت هذه القيم مع الأسف عملة غير مجدية في مجتمعنا الشبابي ،أي عند شريحة كبيرة من شبابنا ، فقبل انطﻻق الامتحانات بأيام معدودة أثارت انتباهنا ظاهرة غريبة و هي تلك المجموعات من الشباب التلاميذ المصطفين عند أصحاب محلات الفوطوكوبي ، لتصغير الدروس و جعلها في أحجام صغيرة كي ﻻ تثير الانتباه . و ما يثير الاستغراب هو أن بعض التلاميذ مصحوبين بأمهاتهم أو ابائهم الخ. منظر مقزز بمنظور جيل و أجيال سابقة.هذا ﻻ يعني أن الغش كان غير موجود بل الغش و المكر كان دائما عملة رائجة و لكن ليس بهذه الحدة لدرجة أصبح ظاهرة اجتماعية ،ظاهرة انحرافية خطيرة.
أجل ظاهرة انحرافية تنم على أن الغش و المكر و الكذب كقيم سائدة ليس فقط في المجال المدرسي و التربوي بل هي قيم لها ارتباط عميق بمجالات أخرى إقتصادية و رياضية وسياسية و ثقافية الخ. ففي مجتمع أصبح فيه عنوان النجاح هو مدى مايحصل عليه الفرد من إمتيازات مختلفة و بأقل الجهد و بكل الحيل الممكنة منها الغش و المكر و الكذب، إذا كان هذا النوع من القيم هو دليل مجتمع اليوم للنجاح،و أن من حقق ذلك النجاح يعتبر في عين المقربين منه و المتعاملين معه على أنه ذكاء و قدرة كبيرة من القدرات العقلية يمتازبها دون غيره ،و الجميع يعلم و يعرف أن ذلك النجاح ليس إﻻ الغش و المكر في غالب اﻷحيان. إذا كانت هذه الصفة الغالبة في علاقاتنا الاجتماعية و الاقتصادية و الرياضية و الثقافية الخ، في مجمعنا،فالنجاح مثﻻ في الانتخابات بمختلف أشكالها المباشرة و الريعية كلها عنوان هذه العلاقات المغشوشة .نقول في وسط اجتماعي من هذا الصنف كيف سيتربى الطفل؟ماهي التنشئة الاجتماعية التي سيتم من خلالها التعامل معه ؟ما هي نوعية الشخصية التي ستكون لدى هذا الشاب وهو يتربى وينشأ على ثقافة "الحيل و المكر و الأنانية"؟  الجواب بطبيعة الحال نعيشه من خلال السلوكات العدوانية و العنف من أجل الغش و المكر و الكذب في الامتحانات ومنها امتحان الباكالوريا. إن حديثنا ﻻ ينبغي أن يفهم منه أننا نعمم على الجميع هذه الانحرافات الخطيئة ،و الضارة بالمجتمع ،بل إن هذه القيم الضارة أصبحت من المميزات و الخصائص الدالة على نوعية الشخصية السائدة في المجتمع . فلمواجهة هذه الظاهرة المرضية يلزم التفكير فيها بعمق و القيام بتحليل دقيق لمسببات إفرازها و ظهورها،
مسببات لها ارتباط قوي بمستوى الفعل الديمقراطي سياسيا ،و الفعل الاقتصادي التهميشي ،و الفعل التربوي الرديء المنشر بين الفاعلين التربويين في المجتمع . فإعادة النظر في كل هذه المجاﻻت و تعميق بعضها واصلاح أخرى قد يساعد على تجاوز الخلل و الانحراف.

Share this article :

1 commentaires: